تعليم

بقلم رضا الزهروني: إصلاح المنظومة التربوية في مواجهة مع الغرور الفكري وسطحية التعامل

اتابع منذ عديد السنوات مداخلات لخبراء ومختصين في الشأن التربوي ولمسؤولين بالقطاع خلال ندوات يتم تنظيمها او برامج إذاعية او تلفزية تتناول موضوع الإصلاح التربوي آخرها تدخل خبير يعمل لحساب منظمة دولية على احدى الإذاعات الخاصة يبدو انه لاقى استحسان العديد ووجدت نفسي وكالعادة وكأنني أحضر درسا أو عرض أطروحة دكتورا حول فلسفة التربية والتعليم ونظرياتها. والغالبية تستعمل مصطلحات معقدة في مسالة تحتاج إلى التبسيط والتوضيح وتبني خطابات يتطلب فهمها درجة عالية من المعارف الدقيقة وكل يعتبر نفسه الاجدر للتعامل مع الموضوع. وفي تقديري تمثل مثل هذه المقاربات والسلوكيات بالإضافة إلى انعدام الادراك السياسي بخطورة الوضع إحدى الأسباب الرئيسية التي حالت دون الاهتداء الى المسار الذي يؤمن لنا عند انتهاجه الوصول إلى الحلول الواجبة لإنقاذ المدرسة التونسية وأؤكّد على المسار لانّ الحلول الجوهرية والاساسية متوفرة وقابلة للتنفيذ.

إنّ عملية الإصلاح اراها كمشروع لإعادة بناء مدرستنا وجعلها متناغمة ومندمجة ضمن منوال تربوي وتعليمي كوني مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات مجتمعنا الثقافية او الاجتماعية او الاقتصادية او الجغرافية. حيث تتمثل الغاية من كل نظام تربوي في ضمان العدالة في مفهومها الواسع داخل المجتمعات وفي ضمان تطور هذه المجتمعات واستقرارها وأمنها وأمانها. وبالتالي فأن رسالة المدرسة والتي من الضروري أن تتعهد بتبليغها مع العائلة ومختلف مكونات المجتمع تقع قراءتها على أساس تمكين أطفال اليوم والذين بلغوا سن الدراسة أين كانوا ومتى كانوا من المضامين التربوية والعلمية والثقافية ومما يحتاجونه من تكوين بغاية تهيئتهم ليصبحوا رجال الغد ونسائه من خلال التدرج بوعيهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات تجاه أنفسهم وعائلاتهم والمجتمع الذي ينتمون إليه ومن خلال مساعدتهم على تنمية مواهبهم ومهاراتهم والرفع من ارادتهم إلى التطلع إلى ما هو أفضل فيما يتعلق باستقلاليتهم وحريتهم وكرامتهم. وهي مضامين تتم ترجمتها ببرامج ومواد وزمن مدرسي ومنهجيات تدريس وعمليات تقييم ومؤشرات متابعة وتتطلب قوانين وإجراءات وأنظمة جودة وآليات حوكمة وإطارات تربوية مختصة وبنية أساسية مؤهلة وموارد مالية. ويتطلب النجاح في تبليغ هذه المضامين صياغة السياسات والاستراتيجيات والمخططات الضرورية للغرض وتحديد المهام الواجب تنفيذها والاهداف الواجب تحقيقها ومراجعتها عند الاقتضاء.

وتعود كل هذه المعطيات والمتطلبات بالنظر إلى العديد من الأطراف والاختصاصات والمستويات دراسة وصياغة وتنفيذا ومتابعة لكنها تبقى في اغلبيتها وفي خطوطها العريضة معلومة ومؤكدة عندما نتواضع ونستأنس بمرجعيات الانظمة التربوية والتعليمية ذات الأداء المتميز وبمؤشراتها وبما خلصت اليه عديد الدراسات ذات الصلة.

إنّ الطفل التونسي لا يولد بمعزل عن أطفال العالم وهو مؤهل بالتالي ليدرس وينجح ويتميز في أي من الأنظمة التربوية والتعليمية المعتمدة اين وجدت بمختلف أنحاء العالم وفي مختلف مراحلها ويمكن له في نهاية مساراته الدراسية والتعليمية ان يعيش ويعمل باي مجتمع من مجتمعات العالم. وبالتالي فان الحكمة تكمن في ترك الحيلة وفي البحث عن اختصار المراحل وربح الوقت واقتصاد المجهود وترك التعنت على اعتبار أنفسنا اذكى من الاذكياء وعلى التشبث باكتشاف العجلة من جديد. وهي العقلية تتسبّب لنا ” في خسارة لا يمكن تقديرها وإهدارا كبيرا للموارد العامة يتمثُّل في بعثرة المكاسب البشرية وحتى الإنسانية. وهي مكاسب لفائدة شبابنا الذين حكم عليهم بالعجز المعرفي والإقصاء الاقتصادي والاجتماعي ويُجرّ بهم إلى منحدر الرداءة وإلى تعقيداتها بكلّ معانيها. تلك المتعلقة بوهم المعرفة وتفوق الجهل”. وهذا ما وصف به الأستاذ كريم بن كحلة واقعنا التربوي في مقال بإحدى الصحف التونسية منذ فيفري 2014.

 

لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات

الى الاعلى