إنها ليست صوتك… لكنها تتحكم فيك. تعلم كيف تميزها، تشكك فيها، ثم تسكتها.
من أين يأتي الناقد الداخلي؟
في “علاج المخططات” (schema therapy)، يُوصَف الناقد الداخلي بأنه “نمط مُكتسب”. إنه صوت داخلي تم استبطانه — غالبًا منذ الطفولة — يعلّق على أفعالك، يحكم على مشاعرك، ويقلل من شأن نواياك.
وقد يكون مصدر هذا الصوت:
-
الوالدان (غالبًا دون قصد)،
-
شخصيات السلطة (معلمون، مربون)،
-
المجتمع، الدين، الثقافة الشعبية (أفلام، معتقدات جماعية)،
-
أو حتى صدمات مبكرة في الحياة.
لا أحد يُولد بصوت ناقد داخلي. لكنه يتشكل من خلال الرسائل المتكررة مثل: «الرجال كلهم متشابهون»، «لا بد من المعاناة لنستحق النجاح»، «النجاح للأفضل فقط»، «يجب أن تُرضي الآخرين دائمًا»…
كيف تميز صوتك الناقد؟
غالبًا ما يكون خفيًا. يتسلل عبر:
-
انخفاض تقدير الذات،
-
شعور مفرط بالذنب،
-
الكمالية السامة،
-
صعوبة في التصرف أو بناء العلاقات.
والأخطر: أنه يتنكر في هيئة دافع للنجاح. يدفعك لتجاوز نفسك، لكن عن طريق التهديد الداخلي. ما يؤدي في النهاية إلى الإنهاك.
الناقد أم البالغ السوي: كيف نُفرّق؟
تخيّل أنك ستقدم عرضًا مهمًا غدًا.
الناقد الداخلي سيقول: «إذا فشلت، سيضحك عليك الجميع. يجب أن تواصل العمل الليلة.»
أما “البالغ السوي” فيك فيقول: «لقد تأخر الوقت، ارتح قليلاً. لقد أعددت الأساسيات، وستبذل جهدك غدًا.»
الهدف نفسه: الأداء الجيد.
لكن أحدهما يقودك بالخوف، والآخر بالتفهم والواقعية.
الأنماط الثلاثة الكبرى للناقد الداخلي
1. الناقد المتطلب
«يجب أن تكون أفضل، أسرع، أكثر كفاءة.»
يدفعك إلى الكمال الدائم، يمنعك من الراحة دون تأنيب، ويحوّل كل لحظة إلى واجب.
علاماته:
-
لا تستطيع الاسترخاء دون التفكير فيما “يجب” أن تفعله.
-
تشعر بالتوتر إذا لم “تنتج” شيئًا.
-
لا تحتفل أبدًا بإنجازاتك.
2. الناقد المذنب
«فكر دائمًا في الآخرين أولًا.»
يمنعك من قول “لا”، يجعلك تظن أن حاجاتك أنانية، ويدفعك للتضحية الدائمة من أجل نيل رضا الآخرين.
علاماته:
-
تشعر أنك مسؤول عن سعادة الآخرين.
-
تجد صعوبة في وضع الحدود.
-
تقول “نعم” رغم رغبتك في الرفض.
3. الناقد العقابي
«لا قيمة لك. تستحق العقاب.»
الأشد سُمية. يهدم احترام الذات، يولّد الشعور بالخزي والتدمير الذاتي، ويمنعك من تقبّل الحب أو التقدير.
علاماته:
-
ترفض الإطراء.
-
تشعر بأنك محتال أو لا تستحق ما تناله.
-
تعاقب نفسك على أخطاء سابقة.
لماذا لا يجب التفاوض مع ناقدك الداخلي؟
لأنه لا يرضى أبدًا. كل هدف يتحقق يليه هدف آخر. وكل تبرير يُستخدم ضدك.
لا تغذِّ هذا الحوار. بدلًا من تبرير نفسك، تعلّم أن تتعرف عليه، تعيد تأطيره، وتنتقل إلى وضع “البالغ السوي”.
كيف تتحرر من الناقد الداخلي؟ 3 خطوات عملية
1. تعرف على صوته
دوّن العبارات المتكررة. راقب متى يظهر هذا الصوت. تعرّف على المشاعر التي يثيرها: قلق؟ خزي؟ غضب؟
2. أعطه اسمًا
شخصِنه. تخيله كصورة. هذا يُحدث مسافة نفسية: إنه ليس “أنت”، بل شخصية خارجية.
مثال: «ناقدي اسمه “السيد جاف”. يتحدث مثل أستاذ متعالٍ من زمن قديم.»
3. تعلم كيف ترد عليه
«أنت فاشل.» → «من قرر ذلك؟ أين الدليل؟»
«يجب أن تضع الآخرين أولًا.» → «ولماذا لست من ضمنهم؟»
«أنت لا تستحق شيئًا.» → «كل إنسان يستحق الاحترام، وأنا منهم.»
الناقد يهاجمك بأفكار لا بحقائق. تعلّم تفكيك منطقه. وإن استعصى الأمر، فإن العمل مع مختص نفسي يمكن أن يُحدث فرقًا حقيقيًا.
خلاصة: هذا ليس صوتك… فلا تجعله يوجّه حياتك
لم تُخلق لتعاقب نفسك أو لتشعر بالخجل من ذاتك. الناقد الداخلي إرث يمكن رفضه. أنت تستحق أفضل — خصوصًا من نفسك.
تحرر من هذا الصوت، واتح لنفسك المجال لسماع صوت يرفعك، يدعمك، ويحترمك.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب

تعليقات